تأسس في 22 مايو 2012م
المونديال كرنفال الشعوب
2014-07-11 | منذ 10 سنة    قراءة: 3228
 أحمد الفاضل
أحمد الفاضل
مسرح عالمي متنقل كل أربعة أعوام يتبادل فيه 32 منتخباً أدواراً حقيقية للبطولة، تأتي كل دولة بكامل زهوها بمختلف الانتماءات والمرجعيات العرقية والدينية واللغوية والجغرافية لكل منها نشيدها الوطني وعلمها وشعارها ولغتها وأسماء سكانها و أشكالهم ورقصاتهم وتقليعاتهم ليشاركوا في رسم أجمل لوحات التعدد والانسجام على هذه البسيطة، حيث يكون القانون (تفرقنا السياسة ويجمعنا الملعب). فهو المكان الوحيد الذي تتغلب فيه قوة النظام على نظام القوة هو (المونديال).

جميع سكان المعمورة خلف الشاشات يضبطون أوقاتهم على مواعيد المباريات ينسون نشرات الأخبار وقرارات الحكومة وما تبقى من هموم ... لا صوت يعلو حينها على صوت الصافرة، يُضبط إيقاع النبض من جديد. حماس يتصاعد على سلم الاحتدام الكروي توازيه جميع الاحتمالات، شعبين كاملين يقفان على أطراف الأماني ولا وقت للمشاعر المزيفة .

قادة العالم يطوون سجلاتهم ويؤجلون همومهم لشوطين، لا مكان لفكرة (الدولة العظمى) الآن. نائب الرئيس الأميركي ، يحضر مباراة بلاده مع منتخب غانا بعد ان فاته هدف الثانية 30، (كرة القدم لا تنتظر أحداً.. يا مستر بايدن). ما يحدث هو أن تتوقف الحكومات بشكل بديهي عن المطامع السياسية لا حاجة لكل ذلك . فإثبات الهيمنة الآن يتقاسمها 22 لاعباً أمام مرأى الجميع .

أنجيلا ميركل تنسى أزمة منطقة اليورو وتطير للبرازيل لمتابعة ألمانيا ضد البرتغال ثم تلتقي باللاعبين في غرفة تبديل الملابس لالتقاط الصور، ورئيس إيران روحاني يتابع مباراة بلاده وحيدًا في غرفة يحتسي الشاي والقلق يحتسيه. الدول الصغيرة تهزم الكبيرة، الفقيرة تهزم الغنية، المُستعمرة تهزم من استعمرها نشوة انتصارات حرموا منها سياسياً ، لحظة لاسترداد الشعوب حقها في الوجود من دون نقطة دم واحدة.

تنتصر كوريا الشمالية على أستراليا في تصفيات كأس العالم 1966 التي أقيمت في إنجلترا ترفض بريطانيا الاعتراف بوجود كوريا الشمالية أو رفع علمها أو إذاعة نشيدها الوطني (بسبب الحرب الكورية)، وتقرر الحكومة البريطانية عدم منح اللاعبين الكوريين تأشيرات دخول لكنها تتراجع بعد أن هددها "فيفا" بسحب تنظيم البطولة .

فرنسا بلد الحضارة تحضرت أكثر بعد أن ساهمت الكُرة في القضاء على النعرات العنصرية وتقليل حجم الكراهية بين الفرنسيين. بعد تتويج فرنسا باللقب عام 1998 بفضل لاعبين من أصول غير فرنسية مثل زيدان و ديساييه، وفي جهة أخرى ساهم المنتخب الإيفواري في القضاء على الحرب الأهلية في البلاد عام 2007، عندما دعا اللاعبون لإقامة المباريات المؤهلة لكأس العالم تحت اسم كوت ديفوار متحدة موحدة مما أدى في تقليل الثغرة الانفصالية.

رئيس الاتحاد التشيلي لكرة القدم كارلوس ديتبورن ألقى خطاباً في حفل تقديم ملفات الاستضافة للمونديال قائلاً: "ليس لدينا شيء ولذلك يجب أن يكون لدينا كأس العالم" فاستطاع من خلال خطابه إجبار الاتحاد الدولي لكرة القدم اختيار دولة تشيلي لاستضافة مونديال 1962.

في (المونديال) تتحول المفاهيم .. إذ تكون قدم (المهاجم) محمله بملايين الأمنيات والدعوات الصادقة.. ويصبح (حارس المرمى) امتداداً للحدود الإقليمية للدولة .. و(خط الوسط) عجلة تنميتها ..
(ضربة الجزاء) أقوى من مطرقة العدل في إجبار الحضور على الصمت والوقار ..
(الضربة المباشرة) عبارة عن (ربما !! ) تَحتكم للبراعة ..
(رمية التماس) أمل يُقذف لداخل المستطيل الأخضر ليعيد صياغة الطموح .
(الهجمات المرتدة) يتحد فيها استنفار الوعي واللاوعي حين تُعلق الآمال حينها حتى الضياع فرحاً أو حسرة . (المراوغة) استعراض حربي تغلفه الفلسفة .

كل مباراة سيمفونية عنوانها المنتخبين يعزفها 22 لاعباً لا ينشزها إلا البطاقات الملونة، 250 مليون لاعب اليوم – يمارسون لعب كرة القدم - هناك ما يقرب من 2 بليون مشجع حقيقي لكرة القدم على مستوى العالم.. أصبح طفل القرن الـ21 لا يركض خلف أي شي عداها .. كرة القدم هي الحاكمة بأمر (الشُهرة).

رحاب (كرة القدم) اتسع أكثر لسكان الأرض فعدد الدول الأعضاء في الاتحاد الدولي لكرة القدم بلغ 208 عضواً، بينما بلغ عدد أعضاء الأمم المتحدة 193 ولم تقف عند هذا فحسب بل أعتمد "فيفا" كأس العالم للأقاليم ليتسنى للجميع لعب الكرة والدخول لهذا الإطار الحضاري العظيم .

** نقلا عن جريدة "الحياة" اللندنية


مقالات أخرى للكاتب

لا توجد مقالات أخرى للكاتب

التعليقات

إضافة تعليق