تأسس في 22 مايو 2012م

أنا وعشرون طفلا وامرأة !!

يرويها من موقع الحدث / بشير سنان
2014-09-22 | منذ 10 سنة

عشر ساعات رعب
 الصورة أنا وبناتي وأطفال الجيران في حجرة منزلي ننتظر القدر أثناء القصف

كانت الساعة لا ادري .. جل ما اتذكره انني نمت على وقع القذائف .. وعليها افقت –مفزوعا- كانت الزوجة تصرخ بهلع .. ومعها بناتها الثلاث: قتلونا .. قتلونا .. سنموت .. اللعنة عليهم .. بل اللعنة عليك انت .. انت من اجبرتنا على الرجوع من تعز الى العاصمة .. انت انت انت ....

قطع هذيانها دوي قذيفة اخرى اصابت المنزل من اتجاه اللواء الرابع حماية اعلى التلفزيون .. وحينها لم يتبادر الى ذهني سوى كيف احمي حبيبتي وبناتنا الثلاث .. بعيدا عن اللعنات التي تساقطت علي منها في ساعة غضب وخوف وفزع !!!

في لحظات .. احتضنا اطفالنا بين حجرينا .. واوينا الى ركن قصي .. ومن ركن الى آخر حاولنا البحث عن اكثرها صلادة واحتمالا لقذائف المدافع .. وطلقات الرشاشات .. وفي الركن المقابل تذكرت ان معنا شخص آخر .. كان اخوها الاصغر يترقب بحذر .. يحاول اخفاء ملامح الفزع بعيدا عنا، ويداريها بابتسامة باهتة.

مع اشتداد القصف بدأت العمارة تضج بالصراخ .. لم نكن وحدنا هناك .. عشرون طفلا وامرأة كانوا ايضا يصرخون .. يبتهلون .. يبكون .. استجمعت قواي الضائعة .. غادرت شقتي صوب سلم العمارة صارخا بأعلى صوت .. اخرجوا كلكم .. تجمعوا في حجرة منزلي .. لان الطوابق العليا اكثر عرضة للخطر .. واقرب الطرق للموت الناتج عن خطأ خارج عن الإرادة.

بدأوا النزول سراعا .. وما هي الا لحظات حتى اخترقت القذيفة الشقة العلوية لشقتي .. حيث الطفل بسام ذو العامين يلهو بألعابه .. والى جواره امه الخائفة .. الا ان القدر كتب لهم عمرا آخر ربما .. كونهم غادرو الى شقتي قبل ربع ساعة من اختراق القذيفة.

في حجرة المنزل بقي الجميع يترقب .. يبتهل بالدعاء والبكاء .. وهدير المدافع يزداد قوة .. وطلقات الموت تقترب رويدا رويدا .. حتى وصلت الينا .. ولم يحمنا منها الا القدر .. ودعوة صالحة.

مع مضي الدقائق الثقيلة .. بدأت في البحث عن مغيث .. وارسال المناشدة تلو المناشدة على صفحات التواصل الاجتماعي .. ولم يكن ذلك اعتباطا .. بل اني كنت ابحث عن دعوة صالحة من احدهم تقينا ذلك الشر، واظنها تحققت.

وفيما كانت استغاثتي تأخذ حقها عبر الزملاء من على صفحتي في فيسبوك، كان القلق يعاودني أكثر كلما وجدت صورتي أنا وعشرون طفلا وامرأة تتصدر واجهة المواقع الإلكترونية المختلفة، وكل يدلي بدلوه لإنقاذنا من ذلك المشهد الأقرب للفانتازيا.

كانت القذائف تتساقط كالمطر .. قصف بربري مروع على الحي .. من المعسكر المكنى "حماية" اخترقت قذائف الموت جدران المساكن دون هوادة .. رغم انها ملئا بالسكان.

مرت الساعة وتلتها اخرى .. لا فائدة ولا جدوى .. كل ما حاولنا الاستعداد للمغادرة .. تعيدنا القذائف الى حجرة المنزل .. وصلت طلقات الرشاشات سلالم العمارة .. ونوافذها الزجاجية .. حتى طرقت احداها بابنا وصرخنا جميعا .. لكنها وصلت بعد تصدعها في العمود المقابل .. قرأت جهرا كل الادعية المأثورة .. والصحيحة والمحرفة .. تقربت الى الله بدموع اخفيتها حرجا من اولئك النسوة.

مع تراتيل اذان العصر .. هدأ القصف .. هكذا ظننا .. غادرنا المنزل صفا واحدا .. وانا في المقدمة .. يحمي كل منا الآخر بمسافة لا تقتلنا جميعا .. ان اصابتنا قذيفة .. بعد ان امنا الاطفال في المنتصف.

سارعت الخطى انا وعشرون طفلا وامرأة ملأوا سيارتي .. وبدون تردد انطلقت مسرعا .. لان القصف عاود مجددا .. ومعه عاد الصراخ في داخل السيارة .. طلبت من الجميع الدعاء .. بدلا عن البكاء .. وصلت سريعا للتو لأدون احداث 10 ساعات رعب في الجراف.

في تلك الليلة كانت فرحتي جنونية .. بل هستيرية .. لنجاتي أنا وعشرون طفلا وامرأة .. من مصير مجهول .. بيد أن الحزن اعتصر جنبات قلبي .. وأجرى دموعي أنهارا .. بعد ما جاءني الخبر الفاجعة .

استشهد الطفل "علي" .. ذو الخمسة عشرة عاما .. نجل صديقي "خالد" برصاصات طائشة .. سقط مضرجا بالدماء .. فاضت روحه الطاهرة الى بارئها .. على بعد أمتار فقط من منزلي !!


رئيس تحرير الرياضي نت

[email protected]



آخر الأخبار